من الضم إلى الطرد.. الشرطة الباكستانية تداهم منازل لاجئين أفغان ومخاوف من الترحيل القسري
من الضم إلى الطرد.. الشرطة الباكستانية تداهم منازل لاجئين أفغان ومخاوف من الترحيل القسري
تحت جنح الظلام، نفذت قوات الشرطة في إسلام آباد مداهمات ليلية استهدفت أحياء يسكنها لاجئون أفغان، حيث اقتحمت عناصر أمنية منازل في مناطق إف-17 وفيصل تاون واقتادت عدداً من الرجال الذين لا يحملون وثائق إقامة صالحة، ما أثار ذعراً واسعاً بين الأسر ونداءات عاجلة لمنع الترحيل القسري من باكستان.
شهود عيان أفادوا بأن حصيلة الاعتقالات لا تزال متغيرة وأن العملية تمت دون إخطار مسبق، ما وضع العائلات في حالة من الذعر والارتباك خوفاً من فصل الأطفال عن معيلّيهم وعودة قسرية إلى أفغانستان، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
وتعكس هذه المداهمات استمراراً لسياسة باكستان التي دفعتها في الأشهر الماضية إلى تشديد الإجراءات ضد المواطنين الأفغان الموجودين على أراضيها، في سياق خطة حكومية أُعلنت في 2023 وتقضي بترحيل أو إجبار ملايين الأفغان على مغادرة المدن أو البلاد إذا لم يمتلكوا الوثائق المطلوبة.
تشكل مخاوف الأمن والضغوط السياسية الداخلية دافعاً أساسياً لهذه الإجراءات، إلى جانب معالجات اقتصادية واجتماعية تُطرح كأسباب رسمية لتقييد وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في الحواضر، ويشير توثيق الأمم المتحدة إلى نشاط عمليتي عودة كبيرة هذا العام، مع مئات آلاف العائدين من باكستان بينما يظل الملايين مرتبطين بشبكات حماية هشة.
الأبعاد الإنسانية المباشرة
تؤدي عمليات المداهمة والاعتقال الاحترازي إلى آثار إنسانية فورية ومكثفة، الأسر التي تفكك أو تتعرّض لفقد معيلين تواجه فقدان الدخل وانقطاع التعليم للأطفال، فضلاً عن مخاطر التعرّض للاعتقال والترحيل إلى بلدٍ لا تتوفر فيه خدمات صحية وتعليمية كافية، بينما تعاني أفغانستان تحت حكم طالبان من هشاشة أمنية واقتصادية حادة.
كما أن توقيت المداهمات الليلي يزيد من الضغط النفسي ويضاعف شعور الاغتراب لدى لاجئين أمضوا سنوات في بناء سبل عيشهم داخل باكستان، ورصدت تقارير حقوقية حالات إكراه واعتداءات ومطالبات بدفع رشاوى لتأمين البقاء، ما يزيد من هشاشة هذه الفئة ويهدد كرامتها وسلامتها.
ونددت منظمات حقوقية دولية، ومن بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، بالأساليب التي تُستخدم لإجبار الأفغان على الرحيل، محذرة من أنها قد تشكل إعادة قسرية تعرض الأفراد لخطر الاضطهاد عند العودة، ودعت هذه المنظمات باكستان إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي للاجئين والامتناع عن الترحيل القسري، بينما طالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوصول إنساني دون عوائق إلى المتضررين ووضع آليات لتسجيل الحالات وحمايتها.
الأمم المتحدة عبر مكاتبها في باكستان أعربت عن قلقها إزاء عمليات إلغاء تسجيل مخيمات أو مناطق لاجئين وإجراء حملات ميدانية قد تؤدي إلى عودة غير منظمة وتركزت نداءات العمل الإنساني على ضرورة حلّ قضايا الوضع القانوني عبر حلول تراعي الأمن والحماية.
الإطار القانوني الدولي
تحظر القواعد الدولية إعادة اللاجئين قسراً إلى بلد قد يتعرضون فيه للاضطهاد أو المعاملة القاسية، وتتطلب معاهدات مثل اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها، إضافة إلى مبادئ عدم الإعادة القسرية المعترف بها عرفياً، إجراءات فردية وسليمة لفحص طلبات الحماية قبل أي ترحيل، كذلك تلزم التزامات حقوق الإنسان بشأن الحماية من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أن تتصدى أي دولة لمطالبات الترحيل الجماعي دون ضمانات.
ودعا الفاعلون الحقوقيون باكستان إلى توفير بدائل للإقصاء القانوني تشمل تسجيلاً مرناً، وبرامج حماية مؤقتة، وإجراءات وصول إلى خدمات أساسية، بدلاً من ممارسات الاعتقال العشوائي والمصادرة.
وتشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن باكستان لا تزال تستضيف عدداً كبيراً من الأفغان، بملايين قديمين وحديثي الوصول يجري التعامل معهم بطرق متباينة، بينما سجل عام 2025 ارتفاعاً كبيراً في وتيرة العودة، إذ عاد مئات الآلاف إلى أفغانستان خلال العام الجاري، الأمر الذي يفاقم الضغط على أنظمة الحماية في البلدين.
كما وثقت منظمات حقوقية اعتقالات جماعية وممارسات ضغط منذ بداية العام، ما يعكس نمطاً مُتكرراً من التعاطي الأمني مع ظاهرة اللجوء.
ملاذ للاجئين الأفغان
لطالما كانت باكستان ملاذاً للاجئين الأفغان منذ انتفاضات الثمانينيات والغزو ثم عقود النزوح التي تلتها، على مدى أربعة عقود استضافت البلاد فترات موجات نزوح كبيرة وتنوّعاً في أوضاع الإقامة القانونية، إلا أن سياسات الترخيص والبطاقات والمواقيت الزمنية تغيّرت عبر السنوات، ومع التحولات السياسية في 2021 تزايدت ضغوط العودة، بينما بقيت مسألة التعايش في المدن الكبرى مصدراً للتوتر الاجتماعي والسياسي، وهذه الذاكرة التاريخية توضح أن القرار الحالي ليس حدثاً منعزلاً بل جزءا من مسار طويل من التوتر حول وجود لاجئين أفغان في باكستان.
وتفرض المداهمات الليلة وإجراءات الاعتقال السريعة اختباراً لمدى التزام السلطات الباكستانية بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، كما تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية حماية من هم معرضون للترحيل إلى بيئة غير آمنة، المطلوب فوراً تفعيل آليات تسجيل وحماية عادلة، وإتاحة وصول منظمات الإغاثة والمفوضية للأسر المتضررة، فضلًا عن حلول سياسية ثنائية بين إسلام آباد وكابول ومنظمات إقليمية لمنع تفاقم أزمة نزوح قد تحمل تبعات إنسانية وأمنية على المدى المتوسط، كما ينبغي ضمان شفافية الإجراءات القضائية وإمكانية الطعن القانوني لمن تم اعتقالهم، مع مراعاة خصوصية الأطفال والنساء وحالات الضعف الصحية والنفسية.










